قصة أم محاربة

سندس البالغة ثلاثة وثلاثين عام، هي أم  لخمسة  أطفال أحداهم كانت بطلة القصة، فحدثتنا الوالدة عن حكايتها وكيف غيرت مسار حياة الام والاسرة باكمله، قصة بدأت بعمر الطفلة اسراء البالغة  أربعة  أعوام، حيث ولدت  قبل الاوان بعملية قيصرية، زرقاء اللون كانت الطفلة وقد بدى للجميع أنها عانت من نقص الاكسجين غير أنها لم تتلقى العلاجات الضرورية  واللازمة، بل تم وضعها في حاضنة لمدة 17 يوما في محاولة لمساعدة الطفلة لتكتسب الوزن.

خلال فترة تواجد اسراء في المستشفى لم تتلقى سوى علاجات دورية بالاكسجين، وقبل أن تغادر  طمئن الاطباء والديها بأنها بصحة جيدة، وهذا ما تبين عدم صحته بعد مرور شهرين، حيث بدأت الأم تلاحظ ان ابنتها تعاني من تشجنات بشكل دائم، كما وأنها  لا تعطي ردات فعل طبيعية لصوت امها وللاصوات الأخرى، حينها بدأ الوالدان يشعران بان ابنتهما تعاني من مشاكل في السمع.

على عمر الستة أشهر وخلال فحص دوري في عيادة الأم والطفل، طلب طبيب الاطفال من سندس أن تعرض ابنتها على طبيب أعصاب لفحصها، ومع بلوغ إسراء العشرة شهور تم تشخيص حالتها بالشلل الدماغي على إثر نقص الاكسجين، ما أصاب الام بصدمة حقيقة كون  ابنتها قد تعاني من مستقبل حالك، فأربكتها فكرة أن اسراء  لديها اعاقة ذهنية، وقد  نال جميع افراد الاسرة نصيبهم من الصدمة إذ لم  يستوعب أحد ما قيل عنها وشعر الجميع بالاحباط بخصوص مستقبلها، حتى أنه لازمهم شعور بالخجل من وضعها لدرجة إخفائها عن الناس!

 اما سندس،  كانت قوية برغم كل التخبط الذي الم بها ورغم شعورها بالذنب تجاه ما أصاب إسراء، لم تستسلم الوالدة  وواصلت البحث عن حل بإيمان  مطلق، حتى تعرفت أخيرا على مؤسسة الأميرة بسمة بالقدس،  بعد أن زارت مركز فرح في نابلس حيث قابلت  د.وضاح ملحيس الذي حولها بدوره إلى مركز التأهيل في مؤسسة الأميرة بسمة بالقدس.

خطت سندس وإسراء  أولى خطواتهما  كمحاربات حقيقيات  في مركز التأهيل في مؤسسة الأميرة بسمة عام 2015، بحثا عن علاج عماده الصبر والأمل، حيث استفادت كلتاهما من الخدمات المقدمة في مركز التأهيل، حيث حصلت الطفلة على خطة علاجية شاملة من قبل طاقم متعدد التخصصات، فحصلت على خدمات تأهيلية شاملة تضمنت: العلاج الطبيعي، والعلاج الوظيفي، وعلاج النطق واللغة، والعلاج المائي والحسي والعلاج بالموسيقى، كما شاركت والدتها أثناء مرافقتها لطفلتها في برنامج تمكين الأمهات، وشاركت في كافة التدريبات اثناء الجلسات العلاجية حيث استفادت من جلسات العلاج في الظل  لتتمكن من استخدام أفضل التقنيات والتمارين   لدعم تطور  طفلتها بعد عودتهما للمنزل.

  وتلقت الوالدة جلسات الدعم النفسي  ضمن العمل في مجموعات او بشكل فردي مع أخصائي اجتماعي،  وحضرت  جلسات تعليمية  صممت خصيصا لزيادة وعي الأمهات في عدد من الموضوعات من أهمها التغذية والنظافة،  كما تلقت سندس  جلسات توعوية عن حقوق الطفل.

تروي سندس  حكاية طفلتها بانفتاح تام ولا يثنيها اي الم قد مضى عن ذكر جميع التحديات التي مرت بها أكان ذلك على المستوى الشخصي أو العائلة أو حتى المجتمع، بل ومع كل إدخال جديد باتت سندس تبدو أكثر ثقة وتمكن من خلال كل هذه المهارات التي  اكتسبتها وشاركتها  مع عائلتها.

سندس التي توقفت عن الدراسة  بسبب كثر الانشغال وكمية الجهد والوقت المطلوب منها للاهتمام بعائلتها، لم يبدل من طموحها شيء أو ينقص منه، ستمضي  قدما  من عطاء الأمومة ثم طالبة عيناها للمستقبل تكمل تعليمها وتزيد وعيها وعياً.

نتيجة خيالية هي التي حصلت عليها إسراء بعد الالتزام  في  خطة العلاج الموفرة من قبل مؤسسة الأميرة بسمة، بعد أن كانت عاجزة تماما عن ابداء أي رد  فعل على عمر العشرة شهور، وغير قادرة على استخدام الجزء الايسر من جسدها، باتت اسراء قادرة على تحريك يدها اليسرى، كما أنها قادرة على استخدام الحمام بدل الحفاضات وهي قادرة على تناول الطعام بمفردها وذلك كله عند بلوغها عامان من العمر.  والأن   تخطو إسراء خطوات فعلية على الأرض سيرا على الاقدام، وتلفت كل من حولها لشخصيتها الجذابة.

أما سندس فأصبحت، ناشطة في جمعية خيرية محلية تهدف لدعم الاشخاص من ذوي الإعاقة، والتي من خلالها حصل أكثر من 100 شخص على الجلسات التأهيلية التي هم بحاجة لها، وتشعر سندس بأنها أقوى بكثير مما سبق بعد مشاركتها في برنامج تأهيل الأمهات في مؤسسة الأميرة بسمة.    

لا ريبة في أم تتحدث عن طفلتها ذات الإعاقة بهذا الحب والانفتاح، بل لا شك أن لها الحق في سرد حكايتها بهذا الفخر،  وإن أردنا ان نحلل نبرة صوتها فالأم التي كنت تنئى بنفسها عن عيون الناس، باتت تجاهر بقصة عنت لها الحياة حيث لم يستطع الشلل الدماغي أن يقيد إيمان أم بفلذة كبدها.

 

 

 

.

 

 

أحدث نشرة إخبارية
23/12/2024
أحدث النشرة الإخبارية
نشرة شتاء ٢٠٢٤
نشرة شتاء ٢٠٢٤