1% تكفي "لا أرى ما ترون، لكني بمخيلتي رأيت ما لن يستطيع احد تخيله"

نولد وقد زين البصر مواهبنا... نتفاخر برؤيتنا لظاهر الحياة، وعيوننا في الحقيقة اعمى من ان ترى الدنيا، فقط اولئك الذين تزينوا بالبصيرة واعتزلوا البصر، قد ادركوا بقلوبهم ما لم يدركه غيرهم بعيونه. لمسوا الحياة ولم يمضوا سطحيين على سطحها، تذوقوها واستنشقوا عطرها وقد غرد رنين الكون لهم كما تفعل الحساسين، اولئك اختزلوا حواسهم بالبصيرة واستطاعوا أن يخلقوا عالماً لن يراه إلا المبصرين امثالهم...

اكتفت توبة بأعوامها الاحدى عشر لتخلق مخيلة واضحة تكاد تخلو من الشوائب، فرغم انها ترى فقط بنسبة 1% بعينيها إلا أنها استطاعت ان تندمج في محيطها وان تكون شخصاً فاعلاً. توبة طالبة مدموجة بشكل كامل  في الصف الرابع في مدرسة الأميرة بسمة الثانوية الجامعة، كما أن تحصيلها العلمي ممتاز.

لقد ادرك اهل توبة ان بصرها ضعيف على عمر الثلاثة أشهر حيث لم تستجب لأي استمالة بصرية أنذاك. وفي هذا الوقت قام الاطباء بتشخيصها بأنها ترى فقط بنسبة  1%، فيما اوضحوا انه ليس من شيء يمكن فعله لعلاج هذه الحالة سوى ان يفعل أهلها كل ما بوسعهم لجعل حياتها تنبض بالأمل.

وبرغم كل ما قامت به عائلة توبة لتمكينها ودعمها، لم تكن خطواتها الاولى في المدرسة ذكرى جميلة  بالنسبة لها إذ لم يعاملها زملائها بلطف. اما الان وبإنضمامها لطلبة مدرسة الاميرة بسمة، طرأ تغير على رأيها بالمدرسة " في الماضي مررت بمواقف جعلتني اشعر بالشفقة على نفسي، فرغم المعاملة الرائعة من المعلمين لم يتقبلني زملائي في مدرستي السابقة ولم يحسنوا معاملتي، ما شكل لي الماً في الماضي، غير انه الان جعل مني شخصاً قوياً".

إحصاء النعم أفضل من احصاء الألم

التجربة القاسية التي مرت بها توبة خلقت فيها الحكمة رغم صغر سنها، فهي مدركة تماما ان شيء لن يغير وضعها البصري، فاختارت ان تركز على جميع النعم والهبات في حياتها، فتقول" إني في الحقيقة لا أرى، لكن يمكنني تخيل ما يعجز أخرين عن تخيله، ولهذا السبب أنا أكتب القصص وأغني الاغاني".

تتميز توبة بقدرة عالية على الحفظ، كما تستخدم طابعة بريل لاداء واجباتها المدرسية، فيما تستمتع بالبيئة الجامعة التي توفرها مدرسة الأميرة بسمة، فقد باتت  توبة شخصية اجتماعية قادرة على التفاعل مع محيطها " تقول جدتي إنني شخص اجتماعي ويمكنني ان أندمج مع الناس بسلاسة". 

أوضحت توبة أن الجميع في مدرسة الأميرة بسمة يدركون أهمية قيم الدمج ويؤمنون بأهمية تمكين كل من هو بحاجة لذلك. كما أوضحت ان لديها العديد من الأصدقاء الذين تستمتع بقضاء وقتها معهم حيث يبدي الجميع الأحترام لمن حوله.

التحديات والأحلام

بالطبع لم تكن الرحلة سهلة لتوبة وعائلتها، غير انهم اختاروا ان يكملوها بالإيمان والامل. جدة توبة هي الشخص المسؤول عن متابعة دراسة توبة ووضعها الأكاديمي إذ تبذل الجدة قصار جهدها بهدف توفير كافة الإمكانيات لتسهيل تعليم توبة في المدرسة "استغرقني وقت طويل لتعلم لغة طابعة بريل، ولم يكن من السهل علي أن اخلق كل هذه القوة في شخصية توبة".

تكمل الجدة " اشكر الله كل يوم عندما أرى الذكاء والإصرار في عيني توبة، وأشعر بالامتنان كونها  باتت قادرة على التعبير عن نفسها، كما انها تحفز اخواتها الثلاثة إضافة للّأطفال الآخرين".

تتفق توبة مع الجدة فهي أيضا تشعر بالامتنان لله، " اثمن  كل ما وهبني الله وأعمل جاهدة حتى أحصل على مستقبل أفضل لنفسي إذ لدي أحلام كبيرة وأفعل كل ما بوسعي في سبيلها".

ملهمة هي توبة المعتزة بنفسها، تنثر الهاما للاطفال ذوي الإعاقة ليركزوا على مواهبهم ويحلموا بشغف، بل هي محفز لكافة المجتمعات حتى يخلقوا نموذجا كالذي قدمته هي ويخلقوا فرصا للأطفال ذوي الإعاقة، فحين يحصل الجميع على فرص مكتافئة سيصبح العالم أجمل...

 

أحدث نشرة إخبارية
21/12/2023
أحدث النشرة الإخبارية
نشرة شتاء 2023
نشرة شتاء 2023