شفاء الروح
إن الحكايات غالبا لا تسير بحسب ما يشاء القدر وحسب، بل بحسب شخوصها وما وهبتهم الحياة من عزيمة لاتمام مسيرة لن يتغير فيها شيء سوى نظرتنا لها، هذا ما تبدو عليه قصص الذين أذهلونا بصبرهم، هذا ما قلنا انه يستحيل علينا فعله، غير أنه لا يوجد حكاية لا تطابق صاحبها، ولا حمل سيكون اثقل من حامله، فالكل منا قدره وعلى قدره تكون العزائم!
لسام وجه تعلو على صفحته ابتسامة تدعو الناظر لقرائتها وليس تأملها فقط، ففيها ابجدية لروح شفاها الله من كل شيء الا الفرح، يبدو سام في اغلب الاحيان أكثر من مبتسم، بل فرح وممتن للحظات التي يعيشها، وكأنه مدرك لماهية الحياة واختار منها ما يدعو للسعادة منذ ولادته. طفل سعيد بعمر سنة وتسعة أشهر انتشل والداه من صدمة تشخيصه بضعف العضلات الذي قد يتسبب في عدم قدرته على الوقوف بمفرده و عدم القدرة على السير.
بدأت الحكاية بنقص بسيط في الاكسجين اثناء الولادة، ليغدو سام بقدرات بدنية محدودة لم يدركها والداه قبل أن يبلغ من العمر تسعة أشهرٍ، حيث كان احتمال وجود خلل هو اخر ما فكروا فيه، " قبل ان يبلغ سام تسعة أشهر لاحظت انه غير قادر على الجلوس او الزحف او ابداء اي حركة، غير أني وكأم وضعت كل المبررات الممكنة دون ان اشي لنفسي بان طفلي يعاني من خطب ما".
اخذت المقارنات طريقها سريعا نحو سام الذي اصبح محورا للكثير منها، وفي ذات الوقت كانت تحاول الأم كبت كل ما يعتمر بداخلها من شعور ينذر بحقيقة لطالما حاولت تجاهلها، فحاولت أن تثبت لنفسها ولكل من حولها أن تطور سام يسير بحسب الوضع الطبيعي.
بينما كان افراد العائلة دائما ما يعزون تاخر سام لكونه طفل مدلل وأن بعض الاطفال يستخدمون هذا الاسلوب لجذب الانتباه، غير أنه لا يمكن أن تنطفئ مخاوف كامنة في قلب أم، حتى وإن اجلتها لبعض الزمن، فما كان من والداه إلا أن قاموا بعرضه على طبيب اطفال والذي بدوره احاله لطبيب اعصاب ليتبين في صورة الرنين لاحقا ما حدث لسام اثناء الولادة.
كما تم في النهاية عرض سام على دكتور وضاح ملحيس في مركز ابو رية في رام الله، ليقوم باحالته إلى مؤسسة الأميرة بسمة بالقدس، حيث كان ادخاله الاول قبل ستة أشهر ليبيت في المؤسسة مع والدته لمدة اسبوعين تلقى خلالهما حزمة كاملة من العلاجات التي تقدمها المؤسسة.
وتلى اداخله الاول، ادخال ثانٍ، بدى التحسن خلاله واضحا على سام، الذي اصبح قادرا على الجلوس والزحف، ما اراح والديه واعطاهما دفعة طمئنينة تلاها امل كبير، مخرجا اياهما من قلق دام طويلا وصدمة ازالها سام بتحسنه.
عراب الفريق
لطالمة حرص اخوة سام على اشراكه في النشاطات والالعاب التي يقومون بها، في محاولة لدمجه وتقديم الدعم له، أما الان فعلى صغر سنه سام يحاول باستمرار أن يندمج ويشارك اخوته في كل نشاط يقومون به نظرا لأنه اصبح اكثر قدرة على الحركة ومجاراة حركة اخوته، بل وبات سببا جوهريا للتجمع فتسعى العائلة بشكل مستمر لدعمه وابقاء رغبته في التطور حية...
تحول سام من طفل متعايش مع وضعه إلى طفل مبادر يسعى نحو تغير واقعه، فدوما ما تلحظ والدته أنه يحاول اعادة الحركات التي تعلمها في مؤسسة الأميرة بسمة بالقدس، وحتى دون طلب من أحد، ويحاول تكرار التمارين بنفسه وكأنه على مقربة من طوق نجاة يحاول التقاطه، وفي سلوكه فهم عميق لرغبة مستمرة بالتطور والاندماج.
الحكمة في كل بيت
تقول والدة سام أنها قد قابلت العديد من الامهات خلال رحلة علاجه، وكن يحاولن اخفاء اطفالهن ذوي الإعاقة عن المجتمع، على عكس ما تقوم به هي فدوما ما تفخر بطفلها وتشجعه، وتحاول أن تبني لديه نظرة مختلفة لذاته املة ان تثمر بذرة الثقة التي تزرعها فيه وتنعكس على المجتمع، فبحسب اعتقادها لا شيء سيغير النظرة السلبية للاطفال ذوي الاعاقة سوى تلك الحكمة النابعة من كل بيت!
